واجب التحفّظ… حين يعلو صوت الانضباط على ضجيج التأويل /أحمد العالم

في لحظات تتسارع فيها الأحداث، وتتعالى فيها الأصوات على منصات التواصل، تبرز الحاجة الملحّة إلى استحضار قيمةٍ راسخةٍ في بنية الدولة الحديثة، هي واجب التحفّظ. ذلك المبدأ الذي يحرس هيبة المؤسسات، ويحمي تماسك الدولة من الانزلاق إلى فوضى التأويل والابتذال الإعلامي.
ولعلّ من أسمى المؤسسات التي تتجسّد فيها هذه القيمة، المؤسسة العسكرية الموريتانية، التي ظلّت ـ منذ تأسيسها ـ رمزًا للانضباط والاحتراف، ودرعًا واقيًا للوطن، لا تهزّها الشائعات ولا تستدرجها الاستفزازات. إنها مؤسسة أكبر من الأفراد، وأسمى من أن تُقاس بموقفٍ عابرٍ أو حادثٍ عارض. فهي صرح وطني قائم على النظام والتراتبية، تحكمها قيم الشرف والواجب، لا نزوات الأفراد ولا ضجيج المنصات.
القوات المسلحة الوطنية ليست موضوعًا للتداول الإعلامي ولا ساحةً للمزايدات السياسية؛ بل هي كيان سياديٌّ يُجسّد معنى الدولة في أنبل صوره. فالتعامل مع قضاياها يجب أن يكون بقدرٍ عالٍ من المسؤولية والتحفّظ، احترامًا لرسالتها المقدسة وحرصًا على مكانتها التي صيغت بالتضحيات وبذل الدماء في سبيل الوطن.
إن واجب التحفّظ لا يعني الصمت، بل يعني الوعي بحدود الكلام حين يكون الكلام خطرًا. هو سلوك مؤسسي يعبّر عن إدراكٍ عميق لطبيعة المهام الأمنية والعسكرية التي تتطلب السرية والانضباط والثقة المتبادلة بين القيادة والمنتسبين. فالكلمة غير المنضبطة قد تزرع الشك، والهمس غير المحسوب قد يثير البلبلة، في حين أن الصمت الواعي يحفظ هيبة المؤسسة، ويصون استقرار الدولة.
وفي عالمٍ تتقاطع فيه الأخبار وتتضخم فيه الشائعات، تبقى القوات المسلحة صخرةً صلبةً في وجه محاولات التشويه والتشكيك، لا تلتفت إلى الأصوات العابرة، بل تمضي بثقة في أداء واجبها المقدس: حماية الوطن، والدفاع عن حدوده، وصون وحدته. فهي المؤسسة التي لا ترفع إلا علم الوطن، ولا تبايع إلا الدستور، ولا تتحرك إلا بأمر الشرعية.
ولأن الوطن وطننا جميعًا، فإن صون المؤسسة العسكرية واجبٌ علينا جميعًا. علينا أن نحميها من التجاذبات، وأن نصونها من التأويلات التي لا تخدم سوى خصوم الوطن. فالجيوش لا تُبنى بالشعارات، بل بالانضباط والثقة والاحترام، وهذه القيم لا تزدهر إلا في بيئةٍ يسودها التحفّظ والمسؤولية.
إن من أسمى مظاهر الوطنية أن نُدرك أن هيبة الجيش من هيبة الدولة، ومكانته من مكانتنا نحن كمواطنين. وحين نصون سمعته ونحترم خصوصيته، فإننا نحمي أركان الوطن ونرسّخ ثوابته.
هكذا كانت وستظل القوات المسلحة الموريتانية: حصنًا للوطن، ودرعًا للأمة، وصوتًا للعقل والانضباط في زمنٍ تتعالى فيه ضوضاء الكلمات. إنها رمز الواجب المقدّس الذي لا يعرف المساومة، وجدار الثقة الذي لا تُخترق لبناته بالريبة أو الشك.