وجهات نظر

رفع الدعم عن المحروقات: ورطة محتملة أم فرصة إصلاح؟ …بقلم / احمد العالم

إذا قررت الحكومة الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي ورفع الدعم عن المحروقات، فإن التأثير لن يقتصر على ارتفاع أسعار البنزين والديزل فحسب؛ بل ستمتد آثاره لتشمل تكلفة النقل، وأسعار المواد الغذائية، وسلاسل التوريد، وبالتالي مستوى المعيشة العام. هذه الحقيقة الاقتصادية البسيطة تحمل معها مخاطرات سياسية واجتماعية جسيمة في حال غابت عنها استراتيجيات تدارك فعالة. النتائج العملية والتجريبية لتجارب دول كثيرة تؤكد أن رفع الدعم يمكن أن يؤدي إلى تسارع التضخم واحتقان اجتماعي إن لم تصحبه إجراءات تعويضية دقيقة ومتصلة.

لماذا يرفع الصندوق الدعم؟

صندوق النقد الدولي والمؤسسات المماثلة يقدّمون نصيحة اقتصادية عامة ترتكز إلى تقليل العجز المالي وتحسين تخصيص الموارد: دعم الوقود غالبًا ما يغذي استهلاكًا غير فعالًا ويجهد المالية العامة، لذا تحلّ التوصية غالبًا بإلغاء الدعم وإعادة توجيه الموارد إلى برامج اجتماعية أكثر استهدافًا أو إلى استثمارات منتجة. لكن المطلب التقني لا يوازي تلقائيًا القبول السياسي أو الاجتماعي.

الأنفاق المباشر — كيف يتحول إلى أسعار أعلى؟

رفع سعر المحروقات يمرّ فورًا إلى تكلفة النقل والشحن، ومن ثم إلى أسعار السلع المستوردة والمحلية. دراسات إحصائية تُظهر أن جزءًا كبيرًا من زيادة أسعار الغذاء يصل مباشرة من صدمة أسعار الطاقة، والآثار تكون أقوى في الدول ذات سلاسل إمداد هشة أو اعتماد كبير على النقل البري. أي زيادة كبيرة ومفاجئة في أسعار الوقود قد تترجم إلى موجات تضخمية تضغط على دخول الأسر، خصوصًا الفقيرة والمتوسطة.

مخاطر اجتماعية وسياسية: من التذمر إلى الفوضى

التاريخ الحديث يزخر بأمثلة على احتجاجات اجتماعية اندلعت بعد إجراءات تقشفية أو رفع دعم الطاقة والخبز، خاصة حيث كان الحيّز الاجتماعي محدودًا وأنظمة الحماية الاجتماعية غير كافية. البحوث تربط بين ارتفاع أسعار الوقود وانتشار التذمر الاجتماعي، وقد تؤدي موجة البطالة وفقدان القدرة الشرائية إلى أزمات ثقة وحراك سياسي يصعب احتواؤه إن لم تتخذ الدولة خطوات مصاحبة.

هل ثمة بدائل ذكية؟ تجارب ناجحة وعبر مستفادة

الخبرة الدولية تشير إلى أن إصلاح الدعم يمكن أن ينجح شرط أن يشتمل على حزمة مصاحبة واضحة ومجدولة:

1. استبدال الدعم العام بدعم مستهدف (نقل الموارد إلى مساعدات نقدية مباشرة أو بطاقات غذائية للمستضعفين).

2. تنفيذ الإصلاحات تدريجيًا وبشفافية مع حملات توعوية توضح الفوائد الطويلة الأجل ووجهة استخدام الموارد المحررة.

3. تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية (توسيع رقعة التحويلات النقدية المؤقتة، دعم مؤسسات الإغاثة المحلية، وبرامج التشغيل الطارئ).
دول نجحت جزئيًا أو كليًا في هذه المسارات لأن التخطيط المسبق والتمويل البديل والشفافية خففا من الصدمة الاجتماعية. في المقابل، فشلت إصلاحات أُنفِذت فجأة أو في بيئة سياسية هشة أو حين قُصِرت التعويضات على شريحة ضيقة.

توصيات عملية للحكومة — كيف تخرج «من الورطة» وتضمن الاستقرار

1. خطة متدرجة وممكنة للتنفيذ: جدول زمني واضح لرفع الأسعار مع نقاط مراجعة، وليس قرارًا مفاجئًا. هذا يعطي الأسواق والناس وقتًا للتكيف.

2. تحويل الموارد إلى حماية اجتماعية مؤقتة وفعّالة: إطلاق دفعات نقدية للمحتاجين، دعم النقل العام، وإعانات للقطاع الزراعي والنقليات الصغيرة لامتصاص صدمة التكاليف.

3. استراتيجية اتصال وشفافية: شرح الأسباب الاقتصادية، وكيف سيُستخدم عائد رفع الدعم، وإصدار تقارير دورية عن أثر الإصلاح وتخصيص الموارد. ضعف التواصل يولّد الفراغ الذي تملأه الشائعات والاستياء.

4. آليات استهداف فعّالة: استخدام قواعد بيانات موجودة أو إنشاء وسيلة سريعة لاستهداف الفقراء والهشّين بدلًا من دعم شامل يخدم الأغنياء أكثر من الفقراء.

5. خطط طوارئ أمنية واجتماعية: التنسيق مع المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني لتخفيف الاحتقان واحتواء احتجاجات سلمية وتحويلها إلى قنوات للمساءلة بدلاً من انفجار عنيف.

بين الخوف من «الورطة» وضرورة الإصلاح

رفع الدعم عن المحروقات قد يكون قرارًا اقتصادياً مبرراً على مستوى الحسابات العامة، لكنه يحمل ثمنًا إن لم يُدار بمهارة سياسية وإدارية عالية. الحكومة التي تريد أن «تربح الشعب والهدوء» تحتاج لحزمة متكاملة: إجراءات تعويضية فورية ومدروسة، تدرج وحوار مجتمعي، وشفافية تضمن أن فوائد الإصلاح تعود فعلاً إلى المواطنين الضعفاء. وإلا فستتحوّل ورطة مالية إلى أزمة اجتماعية قد تكلف البلاد أكثر بكثير من سعر الوقود نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى